الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة البلاد في خطر والكرة تحتضر

نشر في  16 أفريل 2014  (15:20)

الرياضة التونسية ترتدي عباءة العروشية! تكتسي كرة القدم في بلادنا أهمّية بالغة لدى شريحة كبيرة من الناس، ورغم التراجع الكبير الذي عرفته في المواسم القليلة الماضية من حيث المستوى والأداء والنتائج، فقد ظل الجميع يمنّي النفس بعودتها إلى مسرح الأحداث وإلى واجهتها، لأننا شعب يحبّ الكرة ويعشق الكرة وفيه من يتنفّس الكرة ..
هذه الكرة التي كانت تجمعنا رغم قيمة المباريات أحيانا ووطيسها الحامي، كانت تقرّبنا من بعضنا البعض رغم التنافس الشديد بين اللاعبين على الميدان وبين الجماهير على المدرّجات.. قد تحصل تجاوزات وقد تحدث استفزازات وحتى صدامات، ولكن لم تصل درجة العنف والحقد والتعصّب الأعمى والكره للدرجة التي نعيشها اليوم، لقد كانت المقابلات -وعلى أهميتها- مناسبة يلتقي فيها الأصدقاء من هذا الفريق وذاك لتناول الغذاء وتبادل الزيارات والذهاب إلى الملعب مع بعضهم البعض.. كانت جماهير الأفريقي والترجي تتوجه إلى ملعب المنزه وتغادره بعد المباراة جنب إلى جنب مهما كانت النتيجة ومهما كان إسم الفريق الفائز دون أن تحصل تجاوزات أو عراك أو مشاكل من هذا القبيل في الطريق.. نفس الشيء كان يحصل عندما يتحوّل النجم إلى صفاقس أو العكس، حيث كانت مقابلاتهما تمثّل فرصة لدى العديد من أحباء الفريقين للإلتقاء والقيام بواجب الضيافة مهما كان الرهان، لم نكن في دولة إفلاطون المثالية، لكننا كنا نحبّ بعضنا، نحترم بعضنا، نقدّر بعضنا البعض رغم اختلاف آراءنا وانتماءاتنا الجغرافية والرياضية.. أتذكر كيف كان المرحوم الهادي بالرخيصة لا يقضي أوقات فراغه إلا عند صديقه البوعزيزي في سوسة، بل في قلب سوسة معقل النجم الساحلي رغم شدّة المنافسات التي كانت تجمع فريق جوهرة الساحل بشيخ الأندية التونسية، والأمثلة على ذلك عديدة بخصوص علاقات اللاعبين فيما والمسؤولين فيما بينهم وحتى الجماهير.. عندما كان يتحوّل الإفريقي إلى قابس أو الترجي إلى المنستير أو الصفاقسي إلى جرجيس أو النجم إلى الكاف كانت الأجواء أو تكاد تكون احتفالية وكانت تمثّل فرصة للترحيب بالفريق الضيف وإكرام وفادته والقيام بواجب الضيافة نحوه.. ولسائل أن يتساءل اليوم:
مالذي تغيّر في البلاد ؟ هل تغيّر الناس؟ أم تغيّرت البلاد؟ على حد علمي البلاد لا تتغيّر.. ماذا حصل إذن؟ هل هو نتيجة الثورة التكنولوجية أم العولمة والرّأس مالية أم أن المشكلة تتمثّل في تغيّر العقليّة؟
إذا ما افترضنا أنها عقلية تغيّرت وأجيال جديدة حلّت محلّ سابقتها، فهل يبرر ذلك بروز وعودة النعرات الجهويّة، هل يبرّر هذا الكره والحقد بين أفراد الشعب الواحد؟ ثمّ متى كانت الكرة تفرّقنا وقد وصل الأمر بحالنا إلى الدعوة لمقاطعة منتوج مسؤول بفريق منافس أو تمنّي خسارة منتخب وطني في مباراة دولية مصيرية لا لشيء سوى لكونه يظمّ لاعبين من فريق خصمٍ!!
الثابت أن كرتنا تحتضر نتيجة ما نعيشه ونشاهده ونسمعه أسبوعيا من فوضى منظمة وعنف ممنهج وشعارات عدائية تزرع الفتنة وتعيد العروشية وتكرّس الجهوية التي خلناها ذهبت أدراجها مع استقلال البلاد وتحرّرها..
لقد ارتفعت في الفترة الأخيرة نعرات العروشية والجهوية وارتفعت معها درجة الإحتقان على المدرجات وفي الملاعب والقاعات الرياضية وحتى المنابر الإعلامية في مظهر يثير جملة من التساؤلات خصوصا وقد باتت تشكل خطرا يهدد تماسك المجتمع التونسي ان لم تسارع السلط والجهات المختصة ومكونات المجتمع المدني من مثقفين وفنانين ومنظمات وجمعيات وأيمّة مساجد ووسائل إعلام لاحتواء الوضع قبل تفاقمه.
ان الاسباب الرئيسية وراء عودة الجهويات والعروشية تعود بالأساس إلى بعض الأحزاب السياسية التي أشعلت نار الفتنة بين التونسيين، كما تعود الظاهرة إلى ضعف الدولة وضعف المنظومة القانونية والقضائية وإلى اهتزاز الثقة بين الناس والسلطة وتفشي مظاهر الفقر والحرمان في مناطق وبروز مظاهر الثراء السريع لآخرين والمحسوبية في مختلف القطاعات وهي عوامل ساهمت -على ما يبدو- في تنامي سلوك الغيرة والحسد في اوساط من المجتمع التونسي من هذه الجهة أو تلك المنطقة.
ويبدو ان هذه المظاهر تتجه نحو التنامي وبمؤشرات ارتفاع تدق ناقوس الخطر مما يتطلب حلولا عاجلة تتمثل بشكل خاص في محاربة مظاهر الرشوة والمحسوبية ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية لدرء الخطر الذي بات يهدد التماسك والترابط الاجتماعي في الوطن الواحد.

عادل بوهلال